فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: هم المؤمنون؛ كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {إلا من تاب} قال: من ذنبه {وآمن} قال: بربه. {وعمل صالحًا} قال: فيما بينه وبين ربه {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: إنما التبديل طاعة الله بعد عصيانه، وذكر الله بعد نسيانه، والخير تعمله بعد الشر.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: التبديل في الدنيا يبدل الله بالعمل السيء العمل الصالح، وبالشرك اخلاصًا، وبالفجور عفافًا، ونحو ذلك.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد {يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: الإِيمان بعد الشرك.
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول {يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: إذا تابوا جعل الله ما عملوا من سيئاتهم حسنات.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن الحسين {يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: في الآخرة وقال الحسن: في الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي عثمان النهدي قال: إن المؤمن يعطى كتابه في ستر من الله فيقرأ سيئاته، فإذا قرأ تغير لها لونه حتى يمر بحسناته فيقرأها فيرجع إليه لونه، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حسنات فعند ذلك يقول: {هاؤم اقرأوا كتابيه} [الحاقة: 19].
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سلمان قال: يعطى رجل يوم القيامة صحيفة فيقرأ أعلاها فإذا سيئاته، فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته، ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات.
وأخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال: عملت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا وهو مقر ليس ينكر، وهو مُشْفِقٌ من الكبار أن تجيء فيقال: اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين بدل الله سيئاتهم حسنات».
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: حتى يتمنى العبد أن سيئاته كانت أكثر مما هي.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه قيل له: إن أناسًا يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب قال: ولم ذاك؟ قال: يتأوّلون هذه الآية {يبدل الله سيئاتهم حسنات} فقال أبو العالية: وكان إذا أخبر بما لا يعلم قال: آمنت بما أنزل الله من كتاب. ثم تلا هذه الآية {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: جاء شيخ كبير فقال: يا رسول الله رجل غدر وفجر فلم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه، ولو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم. فهل له من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت؟ قال: نعم. قال: فإن الله غافر لك، ومبدل سيئاتك حسنات قال: يا رسول الله وغدراتي وفجراتي، قال: وغدراتك وفجراتك».
وأخرج الطبراني عن سلمة بن كهيل قال: جاء شاب فقال: يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها، ولا خطيئة إلا ركبها، ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه، ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم؟ فقال النبي: صلى الله عليه وسلم «أأسلمت...؟ قال: أما أنا فاشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قال: اذهب فقد بدل الله سيئاتك حسنات قال: يا رسول الله وغدارتي، وفجراتي، قال: وغدراتك وفجراتك ثلاثًا» فولى الشاب وهو يقول: الله أكبر.
وأخرج البغوي وابن قانع والطبراني عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها؟ فذكر نحوه.
وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى قال: التبديل يوم القيامة إذا وقف العبد بين يدي الله والكتاب بين يديه ينظر في السيئات والحسنات فيقول: قد غفرت لك ويسجد بين يديه فيقول: قد بدلت فيسجد فيقول: قد بدلت فيسجد فيقول الخلائق: طوبى لهذا العبد الذي لم يعمل سيئة قط.
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان: اعطني صحيفتك فيعطيه إياها، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات، فإذا أراد أحدكم أن ينام فليكبر ثلاثًا وثلاثين تكبيرة، ويحمد أربعًا وثلاثين تحميدة، ويسبح ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، فتلك مائة».
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في قوله: {يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال: يجعل مكان السيئات الحسنات قال: فرأيت مكحولًا غضب حتى جعل يرتعد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
قوله: {إِلاَّ بالحق} يَجُوزُ أَنْ تتعلَّقَ الباءُ بنفسِ {يَقْتُلون} أي: لا يَقْتُلونها بسببٍ من الأسبابِ إلاَّ بسببِ الحق، وأَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها صفةٌ للمصدرِ أي: قَتْلًا ملتبسًا بالحقِّ، أو على أنها حالٌ أي: إلاَّ مُلْتَبِسين بالحقِّ.
قوله: {ذلك} إشارةٌ إلى جميعِ ما تقدَّم لأنه بمعنى: ما ذُكِر، فلذلك وُحِّدَ. والعامَّةُ على {يَلْقَ} مجزومًا على جزاءِ الشرط بحذفِ الألِف. وعبد الله وأبو رجاء {يلقى} بإثباتها كقوله: {فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] على أحدِ القولين، وكقراءةِ: {لاَّ تَخَفْ دَرَكًا وَلاَ تخشى} [طه: 77] في أحدِ القولين أيضًا، وذلك بأَنْ نُقَدِّرَ علامةَ الجزمِ حَذْفَ الضمة المقدِرة.
وقرأ بعضُهم {يُلَقَّ} بضمِّ الياءِ وفتحِ اللامِ وتشديدِ القاف مِنْ لَقَّاه كذا. والأَثام مفعولٌ على قراءةِ الجمهورِ، ومفعولٌ ثانٍ على قراءةِ هؤلاء. والأَثام: العقوبةُ. قال الشاعر:
جزى اللهُ ابنَ عُرْوَةَ حيث أمسى ** عَقوقًا والعُقوقُ له أَثامُ

أي: عقوبةٌ. وقيل: هو الإِثمُ نفسُه. والمعنى: يَلْقَ جزاءَ إثمِ، فأطلقَ اسمَ الشيءِ على جزائِه. وقال الحسن: الأَثامُ اسمٌ مِنْ أسماءِ جهنَّم. وقيل: بئرٌ فيها. وقيل: وادٍ. وعبد الله {أيَّامًا} جمعُ يوم يعنى شدائدَ، والعرب تُعَبِّر عن ذلك بالأيام.
قوله: {يُضَاعَفْ} قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع {يُضاعَفُ} و{يَخْلُدُ} على أحدِ وجهين: إمَّا الحالِ، وإمَّا على الاستئنافِ. والباقون بالجزمِ فيها، بدلًا من الجزاء بدلَ اشتمال. ومثلُه قولُه:
متى تأتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارِنا ** تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تَأَجَّجا

فأبدلَ من الشرطِ كما أبدل هنا مِنَ الجزاءِ. وابنُ كثير وابنُ عامرٍ على ما تقدَّم لهما في البقرةِ من القَصْر والتضعيفِ في العين، ولم يذكرِ الشيخُ ابنَ عامرٍ مع ابنِ كثير، وذكرَه مع الجماعة في قراءتهم.
وقرأ أبو جعفر وشيبة {نُضَعِّفْ} بالنون مضمومة وتشديدِ العين، {العذابَ} نصبًا على المفعول به. وطلحة {يُضاعِف} مبنيًا للفاعل أي اللَّهُ، {العذابَ} نصبًا. وطلحة بن سليمان و{تَخْلُدْ} بتاءِ الخطابِ على الالتفاتِ. وأبو حيوةَ {وُيخَلِّد} مشددًا مبنيًا للمفعولِ. ورُوِي عن أبي عمروٍ كذلك، إلاَّ أنه بالتخفيف.
قوله: {مُهَانًا} حالٌ. وهو اسمُ مفعولٍ. مِنْ أَهانه يُهِيْنُه أي: أذلَّه وأَذاقه الهوان.
قوله: {إِلاَّ مَن تَابَ} فيه وجهان:
أحدُهما: وهو الذي لم يَعْرف الناسُ غيرَه أنَّه استثناءٌ متصلٌ لأنَّه من الجنسِ. الثاني: أنه منقطع. قال الشيخ: ولا يَظْهَرْ يعني الاتصال لأنَّ المستثنى منه مَحْكومٌ عليه بأنَّه يُضاعَفُ له العذابُ، فيصيرُ التقديرُ: إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالحًا فلا يُضاعَفُ له. ولا يَلزَمُ من انتفاءِ التضعيفِ انتفاءُ العذابِ غيرِ المضعَّفِ، فالأولى عندي أَنْ يكونَ استثناءً منقطعًا أي: لكن مَنْ تابَ وآمنَ وعَمِل عملًا صالحًا فأولئك يُبَدِّل اللهُ سيئاتِهم حسناتٍ. وإذا كان كذلك فلا يَلْقَى عذابًا البتةَ. قلت: والظاهرُ قولُ الجمهورِ. وأمَّا ما قاله فلا يَلْزَمُ؛ إذ المقصودُ الإِخبارُ بأنَّ مَنْ فعل كذا فإنه يَحُلُّ به ما ذَكَرَ، إلاَّ أَنْ يتوبَ. وأمَّا إصابةُ أصلِ العذابِ وعدمُها فلا تَعرُّضَ في الآية له.
قوله: {سَيِّئَاتِهِمْ} هو المفعولُ الثاني للتبديلِ، وهو المقيَّدُ بحرفِ الجر، وإنما حُذِفَ لفهم المعنى وحَسَنات هو الأولُ المُسَرَّح وهو المأخوذُ، والمجرورُ بالباءِ هو المتروكُ. وقد صَرَّح بهذا في قولِه تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16]. وقال الراجز:
تَضْحَكُ منِّي أختُ ذاتِ النِّحْيَيْنْ ** أَبْدلكِ اللهُ بلونٍ لَوْنَيْنْ

سوادَ وجهٍ وبياضَ عَيْنَيْنُ

وقد تقدم تحقيقُ هذا في البقرةِ عند قولِه: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله} [البقرة: 211]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: قوله جل ذكره: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَآخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ}.
{إِلَهًا ءَاخَرَ} في الظاهر عبادة الأصنام المعمولة من الأحجار، المنحوتة من الأشجار.
وكما تتصف بهذا النفوسُ والأبْشارُ فكذلك توَهَّمُ المبارِّ ولامضارِّ من الأغيار شِرْكٌ.
{وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} من النفوس المُحَرَّم قَتْلُها على العبد نَفْسه المسكينةُ، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] وقَتْلُ النّفس من غير حقِّ تمكينُك لها من اتباع ما فيه هلاكُها في الآخرة؛ فإنَّ العبدَ إذا لم يُنْهَ مأمورُ.
ثم دليل الخطاب أن تقتلها بالحقِّ، وذلك بِذَبْحِها بسكين المخالفات، فما فَلاحُكَ إلا بقتل نَفْسِكَ التي بين جنبيك.
قوله جل ذكره: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}. يضاعَفُ لهم العذابُ يومَ القيامة بحسرات الفرقة وزفرات الحرقة. وآخرونَ يضاعف لهم العذابُ اليومَ بتراكم الخذلان ووشك الهجران ودوام الحرمان. بل مَنْ كان مضاعَفَ العذاب في عقباه فهو الذي يكون مضاعَفَ العذاب في دنياه؛ جاء في الخبر: «مَن كان بحالةٍ لقي الله بها».
{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)}.
إلا من تاب من الذنب في الحال؛ وآمن في المآل.
ويقال: {وَءَامَنَ} أن نجاته بفضل الله لا بتوبته، {وَعَمَلَ صَالِحًا} لا ينقض توبتُهُ.
ويقال إن نقَضَ توبته عَمِلَ صالحًا أي جَدَّدَ توبتَه؛ {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيْئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} ويخلق لهم التوفيق بدلًا من الخذلان.
ويقال يبدل الله سيئاتهم حسنات فيغفر لهم ويثيبهم على توبتهم.
ويقال يمحو ذِلَّة زَلاَّتِهِم، ويثبت بَدَلَها الخيرات والحسنات، وفي معناه أنشدوا:
ولما رضوا بالعفو عن ذي زلةٍ ** حتى أنالوا كفَّه وأفادوا

اهـ.